الحكومة ومجلس الشعب.. انتهت جلسات رفع العتب!

الحكومة ومجلس الشعب.. انتهت جلسات رفع العتب!

اعتاد مجلس الشعب في افتتاح كل دورة دعوة الحكومة، واعتادت الحكومة تلبية الدعوة، هي تلبية أقرب لأن تكون رفع عتب، هذا إذا لم نقل أن الدعوة بحد ذاتها رفع عتب، نواب الشعب غالباً يعلمون مسبقاً ما في جعبة الحكومة، أما الحكومة فتجهز بياناتها وتصيغها على شكل انجازات، وتستعرضها دفعة واحدة على لسان رئيسها، قد تستغرق منه تلاوة هذه البيانات ساعة أو ساعتين، ثم يتداخل بعض الأعضاء بمداخلات مقتضبة في دقيقة أو دقيقتين لكل متداخل، يحصلون على بعض الردود، وينتهي كل شيء!.

وهذا بالضبط ما جرى في اللقاء الذي جمع الحكومة ومجلس الشعب يوم الثلاثاء الفائت خلال افتتاح أولى جلسات الدورة العادية الثانية عشر للدور التشريعي الثالث، مع فارق بسيط هو أن هذا اللقاء سيكون الأخير بين هذه الحكومة وهذا المجلس، قريباً (15 تموز القادم) سينتخب السوريون برلمان جديد وبالتالي سنكون مع حكومة جديدة، وبهذا تكون حكومة عرنوس أتمت عامها الرابع (ولاية كاملة)، ولو أن المهندس عرنوس كما تذكرون كلف بتسيير مجلس الوزراء إضافة لمهامة كوزير للموارد المائية قبيل انتخاب مجلس الشعب الحالي بشهرين، وذلك على خلفية إقالة الرئيس السابق للمجلس المهندس عماد خميس في الحادي عشر من شهر حزيران عام 2020، وعليه أتيح لعرنوس تشكيل الحكومة السورية مرتين، الأولى كانت بعد انتخاب مجلس الشعب الحالي نهاية شهر آب من نفس العام، والثانية بعد انتخاب رئيس الجمهورية في شهر آب من العام 2021.

في اللقاء الأخير اتبع رئيس الحكومة من خلال  البيانات التي قدمها تحت عنوان المؤشرات الكمية لعمل الوزارات والجهات العامة خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، اتبع سياسة الإغراق.

اللقاء الأخير بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، كان يمكن أن يكون جردة حساب حقيقية لأعمال الحكومة خلال الأربع سنوات الفائتة، كسراً للقاعدة التي تحكم العلاقة النمطية بين السلطتين، وهذا لم يحدث، وتمكن رئيس مجلس الوزراء من تعزيز نمطبة العلاقة القائمة، بأن أشار إلى خطوات وصفها بالمسؤولة اتخذتها الحكومة بالتعاون مع مجلس الشعب في مجال الطاقة وحواملها، ولولا تلك الخطوات حسب قوله لكانت الامور أصعب بكثير وأكثر تعقيداً من الوضع الحالي!، طبعاً رئيس الحكومة هنا كان يشير غالباً إلى ذلك اللقاء الاستثنائي بين السلطلتين الذي عقد في الشهر السابع من العام المنصرم، يوم قررت الحكومة رفع اسعار المشتقات النفطية وحوامل الطاقة، والتخفف من ثقل الدعم، وأرادت أن تغطي توجهها بغطاء تشريعي، وتشارك نواب الشعب في تحمل تبعات ذلك، فحضرت الحكومة الجلسة الافتتاحية للدورة الاستنائية الخامسة لمجلس الشعب، وبالفعل بعيد أيام من ذلك الاجتماع ارتفعت أسعار المشتقات النفطية لمستويات غير مسبوقة ولحقتها أسعار الكهرباء، طبعاً ترتب على ذلك ارتفاع عام في معدلات الأسعار، وتآكل جديد في القوة الشرائية، مقابل رفع رواتب موظفي القطاع العام لأول مرة بنسبة مئة بالمئة.

في اللقاء الأخير اتبع رئيس الحكومة من خلال البيانات التي قدمها تحت عنوان المؤشرات الكمية لعمل الوزارات والجهات العامة خلال الأشهر الأولى من العام الجاري، اتبع سياسة الإغراق، أغرق مسامع نواب الشعب بوابل من المؤشرات والأرقام، فلم يترك لا صغيرة وكبيرة إلا وذكرها، فتطرق لحركة القطارات والركاب، وعد علينا صور الطبقي المحوري والتحاليل الطبية، وعمليات غسل الكلى والقثطرة المنفذة في مشافي القطاع العام!، طبعاً هذا النوع من البيانات كان يمكن لمسؤول من الصف الثاني أو الثالث أن يعلن عنها في تصريح صحفي، ولا يحتاج الأمر لأن يحملها رئيس الحكومون معه إلى تحت قبة البرلمان، أساساً معظم البيانات المقدمة  تظهر أن مؤسسات القطاع العام تعمل بالحد الأدنى، وهي غير قابلة للقياس!.

لا ننسى أن سعر الصرف خلال فترة هذه الحكومة كان هدفاً وليس وسيلة، بمعنى أنها جندت جميع قراراتها لحماية الليرة من خسائر إضافية في سوق القطع، فكانت التضحية بالانتاج أول تلك الأوراق.

طبعاً لا الشارع السوري ولا حتى ممثليه في مجلس الشعب كانوا ينتظرون من الحكومة أن تعترف بحجم التضخم الذي تسببت به قراراتها، فهي إن اعترفت ستلقي باللائمة على العقوبات والحصار وحرب العشر سنوات، وتدعيات كورنا، وزلزال السادس من شباط، والظروف المناخية.. الح!، لكن على الأقل ما كان يجب الدفع بهذه المؤشرات "الكمية" وكأنها أقصى ما يمكن تحقيقه.

صحيح أن ما نحصده اليوم من أزمات اقتصادية واجتماعية مركبة، ليس نتيجة أربع سنوات، لكن هذه الأربع سنوات لحكومة عرنوس، كانت حاسمة في تكريسه، إن لم نقل تسارعه، وكان المطلوب منها على الأقل كبح جماحه، فإذا ما نظرنا إلى سعر الصرف في صيف العام 2020 حين تسلمت هذه الحكومة مهاما أول مرة، سنجد أن السعر الرسمي للدولار كان دون الـ 500 ليرة، أما اليوم فهو 13500، هذا المؤشر لوحدة سيترتب عليه كوارث اقتصادية، طبعاً لا ننسى أن سعر الصرف خلال فترة هذه الحكومة كان هدفاً وليس وسيلة، بمعنى أنها جندت جميع قراراتها لحماية الليرة من خسائر إضافية في سوق القطع، فكانت التضحية بالانتاج أول تلك الأوراق، حيث احتاج ذلك إلى مزيد من تقييد للسيولة، والتشدد في تداول القطع، فتراجع الطلب المحلي، وبسبب ارتفاع التكاليف فقدت معظم الصادرات السورية ميزتها التنافسية في الأسواق الخارجية، فخرجنا بسعر صرف كارثي وانتاج شبه معدوم!.

على كل حال لم يعد من المفيد بعد اليوم مخاطبة الحكومة الحالية، فما فشلت في تحقيقه في أربع سنوات لا نعتقد أنها ستنجح به في عدة اشهر متبيقية من عمرها، وعليه نتوجه إلى الحكومة القادمة، إذا ما كانت تريد الانقاذ فعلاً، فعليها عدم الالتفات إلى مؤشرات حكومة عرنوس "الكمية"، بل اعتبارها تحصيل حاصل (يمكن تحقيقه من دون وجود وزراء أصلاً)، والتوجه بقوة لوقف التدهور الاقتصادي الحاصل بالعدول عن جميع القرارات الهدامة التي تسببت بزيادة معدلات الفقر، وخنقت الانتاج لصالح سعر صرف ثبت أنه لا يمكن معالجته بالطرق السابقة، وتسببت بهروب رؤوس الأموال أو تجميدها من قبل أصحابها لانعدام جدوى دورانها في السوق، والكف عن إضاعة الوقت في ملف الدعم الذي ثبت أنه بوابة مشرعة للهدر والفساد، أساساً بالنسبة للمواطن الدعم لم يعد ملموساً في مختلف أنواع المواد التي كانت مدعومة، باستثناء الخبز.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


آخر المقالات

استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني