تصميمات معمارية شائعة في أمريكا هي نفسها التي أدت لدمار واسع في زلزال تركيا وسوريا

تصميمات معمارية شائعة في أمريكا هي نفسها التي أدت لدمار واسع في زلزال تركيا وسوريا

في الوقت الذي يدرس فيه المهندسون المتخصصون الزلازلين اللذين ضربا تركيا وسوريا يوم الإثنين الماضي، صار واضحاً أن أحد الأسباب الرئيسية لما حدث من دمار هو تصميم معماري شائع في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وأجزاء أخرى من الولايات المتحدة.
وأفاد تحليل نشرته صحيفة “لوس أنجليس تايمز” بأن عيوب البنايات من الخرسانة غير القابلة للتمدد شائعة في أنحاء كاليفورينا، مع وجود العديد من المباني التي لم يتم تقييمها أو تعديلها، والمعرضة لخطر الانهيار حال حدوث زلزال قوي.
وربما يفترض سكان الولاية أن المباني لديهم أفضل من تلك في تركيا، ولكن كاليفورينا لم تتعرض، لأكثر من قرن من الزمان، لزلزال شديد بقوة 7.8 درجة على ميزان ريختر لقياس قوة الزلازل والذي دمر معظم مدينة سان فرانسيسكو في عام 1906.
وسوف يستغرق الأمر بعض الوقت حتى يتمكن مهندسو التشييد من إعداد تقرير شامل عن المباني التي تضررت، أو دمرت في تركيا وسوريا. لكن العديد من الخبراء ، الذين فحصوا الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالمباني المهدمة، قالوا أن الخلل الأساسي كان واضحاً فقد كانت تلك المباني من الخرسانة غير القابلة للتمدد ، وكانت تحتوي على مكون غير مناسب من قضبان حديد التسليح، التي تجعل الخرسانة هشة، وتندفع إلى خارج الأعمدة حال اهتزازها.
وقال مهندس إنشائي من مؤسسة “مياماتو انترناشونال” في بيان “المباني السكنية في المنطقة هي في الغالب من الخرسانة الهشة، وهي معرضة بقوة للاهتزازات التي تحدثها الزلازل”.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، انتشرت المباني ذات الهياكل الخرسانية، وهي مصطفة في العديد من أشهر شوارع لوس أنجليس، ولكن عيوبها القاتلة ظهرت على نطاق دولي في أعقاب زلزال سيلمار عام 1971. وآنذاك أصيب المسؤولون بالذهول عندما تعرض “مركز أوليف فيو الطبي”، الذي كان بناءً حديثاً من خمسة طوابق، لأضرار بالغة جراء هذا الزلزال.
وأفادت محاكاة نفذتها هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأن من الممكن أن يؤدي زلزال بقوة 7.8درجة في جنوب كاليفورنيا إلى انهيار 50 من المباني الخرسانية، بشكل جزئي أو كلي، مع وجود حوالي 7500 شخصاً داخلها.
ويقول جيمس دولان، أستاذ علوم الأرض في جامعة جنوب كاليفورنيا “لدينا آلاف من هذه المباني في أنحاء كاليفورنيا، حيث يعيش عشرات الآلاف من سكان الولاية، وحيث يعملون”، مضيفا أنهم يدركون أن “المباني لن تصمد أمام الزلازل… ندرك ما سيحدث لها حينما تهتز في زلزال قوي”.
وأظهرت مثل هذه المباني الخرسانية هشاشة إثر وقوع زلازل في أنحاء متفرقة من العالم، وبينها المكسيك ونيوزيلندا.
وكانت العيوب جسيمة لدرجة سارع معها المسؤولون بحظر إنشاء المباني من الخرسانة غير غير القابلة للتمدد في أعقاب زلزال سيلمار، كما قاموا بتحديث الحد الأدنى من شروط البناء حتى يضمنوا أن تكون الهياكل الخرسانية التي أقيمت في الثمانينيات وما بعدها مرنة حال حدوث اهتزاز. ولكن لم تطلب الحكومات في أي بقعة من العالم، على مدار عقود، تحديث المباني القديمة.
ولم تطلب العديد من الحكومات المحلية في أمريكا إجرء تقييم للمباني الخرسانية أو تعديلها ، وبينها في المدن الأكثر ازدحاما بالسكان في كاليفورنيا، مثل سان خوسيه وسان فرانسيسكو ولونغ بيتش. وأصدرت ثلاث مدن (لوس أنجليس وسانتا مونيكا وويست هوليوود) أوامر بإجراء تعديلات. لكن الموعد النهائي لإجراء ذلك ما يزال امامه وقت طويل ، وهو في أربعينيات القرن الحالي.
وأثنى مهندسو الإنشاءات على صدور أوامر التعديل الملزمة، والتي صدرت عقب تحقيق نشرته مجلة “تايم” في عام 2013 ألقى الضوء على إخفاق مسؤولي المدينة في التصرف، وأبدوا قلقاً بالغاً لعدم اتخاذ المدن الأخرى خطوات مشابهة.
وقالت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية في عام 2008 أن الهياكل الخرسانية هي أحد نوعين من البناء “يرجح بقوة أنه يتسبب في مقتل الناس حال وقوع زلزال، أما النوع الثاني، فهو المباني بدون أعمدة خرسانية، بما فيها مباني الطوب القديمة”.
وحذر مهندس الإنشاء كيت مياموتو، المدير التنفيذي لمؤسسة “مياموتو انترناشونال”، في مقابلة من أن التقاعس عن طلب عمليات التعديل في المباني الخرسانية من شأنه أن يكلف كاليفورنيا حياة الكثيرين. وأوضح أنه إذا لم تتحرك المدن الأخرى “فإن هذا الضعف السياسي سوف يودي بحياة الناس.
” ويعمل مياموتو أيضاً مفوضاً للسلامة من الزلازل في كاليفورنيا، ولكنه أوضح أن تصريحاته ليست لها علاقة باللجنة.
و كانت المباني الخرسانية في لوس أنجليس تعرضت لانهيارات كارثية إثر زلزال سليمار الذي ضرب المنطقة بقوة 6.6 درجة في عام 1971، وأيضاً زلزال نورثريدج ، بقوة 6.7 دجة في عام 1994.
وبحسب الخبير جيمس دولان، هناك سبب آخر يجعل المباني عرضة للانهيار، وهو عدم وجود وصلات مناسبة بين الأعمدة الرأسية والأرضيات الأفقية ، والتي تنكسر حال حدوث اهتزاز.
وهناك عوامل أخرى ساهمت في الانهيارات التي حدثت في مواقع أخرى كثيرة، وبينها الفساد في عمليات التفتيش الخاصة بالسلامة، والإهمال، وعدم كفاءة عمل التصميمات.
وتقول بعض المدن في كاليفورنيا أنها بصدد استكشاف عمليات تعديل لنوع مختلف من الهياكل المعيبة: وهو المباني السكنية ذات “الطوابق الناعمة”، وهي مبان ذات طوابق أرضية غالباً ما تكون أقل سمكاً مقارنة بباقي الطوابق، وتصلح للاستخدام كمرآب للسيارات. وأدى انهيار واحد من مثل هذه المجمعات في زلزال نورثريدج إلى مقتل 16 شخصاً.
وقبل عقد من الزمان، صارت سان فرانسيسكو واحدة من أولى المدن التي تطلب إجراء تعديلات تحديثية لمباني “الطوابق الناعمة”. وقد تم إجراء تعديلات لحوالي 90% من إجمالي 5000 مبنى يشملها مرسوم المدينة. ورغم ذلك، لم تصدر المدنية مطالب بإجراء تعديلات المباني الخرسانية، والتي يتراوح عددها هناك ما بين ألفين وثلاثة آلاف.
على صعيد آخر بدأت تركيا أمس الأحد بإجراء تحقيق مستفيض مع أي شخص يُشتبه بمسؤوليته عن انهيار المباني في الزلازل المدمرة التي وقعت قبل أسبوع تقريباً، كما أمرت بالفعل باحتجاز 113 من المشتبه بهم. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي الليلة قبل الماضية أن السلطات حددت هوية 131 مشتبهاً بهم حتى الآن باعتبارهم مسؤولين عن انهيار بعض من آلاف المباني التي سويت بالأرض في الأقاليم العشرة المتضررة من الزلازل.
وقال وزير البيئة مراد قوروم إن عدد المباني التي انهارت أو تضررت بشدة بسبب الزلزال يبلغ 24921 مبنى وذلك استنادا إلى تقييم أكثر من 170 ألف مبنى. وفي السنوات العشر السابقة لعام 2022، تراجعت تركيا 47 مرتبة في مؤشر مُدركات الفساد التابع لـ”منظمة الشفافية الدولية” لتصل إلى المرتبة 101 بعد أن كانت في المرتبة 54 من بين 174 دولة في عام 2012.
وكانت الشرطة قد ألقت القبض على مُطَوِّر عقاري لمُجمَّع سكني انهار في أنطاكية مع استعداده لركوب طائرة بمطار إسطنبول متجها إلى الجبل الأسود مساء يوم الجمعة. وجرى احتجازه رسمياً يوم السبت.
وانتهى بناء المُجمَّع السكني الراقي المكون من 12 طابقاً قبل عشر سنوات. ولم ترد معلومات عن القتلى في المبنى الذي كان يضم 249 شقة.
وأفادت وكالة الأناضول بأن المعتقل أبلغ ممثلي الادعاء بأنه لا يعرف سبب انهيار المُجمَّع السكني وأن رغبته في الذهاب إلى الجبل الأسود لا علاقة لها بذلك.
ونقلت عنه قوله في بيان “نفذنا جميع الإجراءات المنصوص عليها في اللوائح… حصلنا على جميع التراخيص”.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر