من مذكرات مدرّسة (9):جلسة خاصة ( ثانية)

من مذكرات مدرّسة (9):جلسة خاصة ( ثانية)

ماري عربش
هل لي بزيارة خاطفة في البيت بعد انتهاء الدوام؟؟
هذه المرة عرفت الصوت مباشرة كيف لا وهو الجار القريب وزميل العمل ؟؟
- أهلاً وسهلاً
قدماه تراقبان السلم بينما عيناه تبدوان وكأنّهما تحصيان عدد درجاته لا بل تتفحّصان نوع بلاطه الخفيف زهيد الثمن
جلس باسترخاء شعرت ببذل جهدٍ ما لتصنّعه
- لم يسبق لي أن زرت بيتكم من قبل
أهلاً وسهلاً
كيف حال الإدارة معك ؟
لا بأس تسير الأمور كما ينبغي لها أن تسير
( إذن الموضوع متعلّق بالإدارة هذا ما همست به لنفسي )
وراحت الأفكار تتوارد مزدحمة في رأسي
تُرى ما الجديد ؟؟ ما الذي يُحاك في هذه الأيام ؟؟
مُذ عرفته جاراً وزميلاً في العمل كان يتميّز  بلون وجهه المائل إلى الحمرة ما الذي جعله اليوم يتبدّل ويتغيّر  ويتناوب ما بين احمرار واصفرار وحتى انعدام اللون !!
على ما توشي به هذه النظرات التائهة غير المستقرة ، توقعت سماع أخبار دسمة
وسألته عن أحوال العائلة والعمل ليجيب
الأمور غير مستقرّة وغير مطمئنة
خيرٌ إن شاء الله ؟؟؟
الحقيقة وبكل صراحة أنا جئت لأنقل إليك أخباراً غير سارة
تفضّل تفضّل قل ما لديك
هل سمعتِ بالمثل القائل ( اذا حلق جارك بلّ أنت )
بكل تأكيد مثل معروف 
ولكن ما هي مناسبته اليوم؟؟؟
عدّل جلسته فانحنى إلى الأمام قليلاً وشبك أصابع كفيّه بعضها ببعض وراح يتأملها وكأنّه يكتشف أشكالها للتو  مراوحاً ما بين طيها للحظات ونشرها للحظات أخر
أرقبه منتظرة انطلاقة لسانه
أعتذر مسبقاً عمّا سأنقله إليك وأرجو ألّا يسبّب لك إزعاجاً كبيراً 
ومرّة أخرى أهمس لذاتي 
لمَ هذا التردد والارتباك والتريّث
لا أبداً  قل ما تشاء فأنا مستعدة لسماع كلّ الأخبار أيّاً كان مضمونها
يا آنسة ماري ..... لقد بدؤوا فينا
وعاد ليتقوقع في دائرة الصمت
لحظات وكلانا ممسك عن الكلام
من تقصد يا أستاذ ؟؟؟
من هم الذين بدؤوا ؟؟ 
وماذا تعني بكلمة بدؤوا ؟؟
أفصح عمّا تريد قوله 
وبصوت خافت : أقصد المسؤولين في الشعبة شعبة الحزب 
إيه وماذا يريدون ؟؟؟
لقد أبلغني رئيس الشعبة بأنّ كتاباً وصله منذ يومين وفيه اقتراح 
لا  لا ليس اقتراحاً بل طلباً بإزاحتك عن الإدارة... والاتهام المصرّح به والحاضر أبداً هو ( الشيوعيّة)
لا أدري لماذا شعرت ببرودة تسري متمهّلة في أعصابي وتنتزعني من غضب محتمل تسرّبه إلى نفسي 
فوجدتني أتأمل رأسه الكبير المستدير  ووجهه المنتفخ الأوداج وعينيه زائغتي النظرات
بينما كان مستمرّاً في حديثه دون توقّف حتى خلته قد انقطع عن التنفّس
آنسة ماري تعرفين أنّ هذين الاتهامين جاهزان دائماً الشيوعية والإخوان ....
والحقيقة التي أعترف بها لك بكل بساطة هي خوفي على مركزي 
فإن بدؤوا بك فأنا سأكون التالي بكل تأكيد 
( آه ... إذن هذا هو مثل الحلاق والزبائن)
قلت ذلك في سري
ويستمرّ متابعاً ومتحمّساً 
يا آنسة ماري أنا أعرف مسؤولاً كبيراً في دمشق  اسمه(.....) وهو صديقي
وقد جئت لأقترح عليك 
بأن نذهب إليه معاً ونعرض عليه الموضوع 
وأنا متأكّد بأنه لديه القدرة على مساعدتك للاحتفاظ بالإدارة
ما رأيك ؟؟؟
وتخيّلت شخصاً غريباً يجلس في زاوية الغرفة ويصغي لكل ما يُقال
أفلا يعبّر عن إعجابه بهذا الموقف؟؟؟
أفلن يقول : يا للإخلاص 
يا للشهامة
صحيح هو يريد إنقاذ نفسه قبل أن تغرق السفينة لكنّه لم ينس زميلته في العمل ها هو يبذل ما في وسعه لإنقاذها أيضاً
يبدو أني تأخرت بالردّ عليه وأنا أستمع لأقوال هذا الغريب المتخيَّل.....
ما رأيك آنسة ماري سوف أتغيّب أنا عن العمل بحجة المرض وتدبّري أمرك لنتوجّه غداً صباحاً إلى العاصمة
يا أستاذ (ج)
يا أستاذ 
إنّ موضوع الإدارة لا يهمني على الإطلاق لا بل لا يعني لي شيئاً
أنا يا أستاذ أعشق التدريس فشرح قصيدة أو توضيح قاعدة يمنحني سعادة لا يفهمها إِلَّا من يهوى هذا العمل وقد خُلق له
فإن كانت قصة الإدارة تشغل بالك وتقلقك وتقض عليك المضاجع 
خذ خطوات استباقية والجأ إلى صاحبك ليدرأ عنك الخطر 
أمّا أنا فلا
انتظرت ربّما دقائق ليصحو من الصدمة ويقول في محاولة لحفظ ماء الوجه
أنا بلّغتك بدافع من ضميري 
لم أقو على إخفاء الأمر عنك
أشكرك وأرجو لك كلّ الخير 
هكذا انتهت الزيارة 
لكنّ القصة لم تنته هنا
وما جرى في اليوم التالي هو الذي دفعني للكتابة
عن غير عادة للزيارة في هذا الوقت المبكّر وقبل الانطلاق للعمل
حضر زوج اختي قارعاً الباب بإلحاح
دخل مستنفراً غاضباً مذهولاً 
ما بك؟ ما الذي جرى ؟؟؟ 
وراحت الكلمات تتسابق في الانتشار دون ترتيب ولا تنسيق ولا انتظام
وجملة واحدة كانت واضحة ومفهومة تتردّد بصوت مرتفع 
لا أصدق لا أصدق
شيء لا يُعقل
اهدأ وأخبرنا
لقد كنت البارحة في مقر الشعبة لأمر ما 
وقد أطلعني رئيسها صديقي منذ أيام الجامعة، على كتاب سريّ جاء فيه
إنّ مديرة ثانوية البنات تشكلّ خطراً كبيراً بتوددها للطالبات الهادف ولا شك إلى استمالتهن للشيوعية
لذلك أقترح أنا الموقّع أدناه تسليمي إدارة الثانوية ريثما تجدون الأنثى البديلة
التوقيع الأستاذ (ج)
لم تكن الصدمة بحجم الذهول لأنّ الأخير كان بحجم اتساع الخطر الذي كان قد بدأ ينهش جسد الوطن
والآن وأنا أستعيد تفاصيل هذه القصة أتساءل
أهذه هي التي يسمونها 
السياسة ؟؟؟؟
ويطلقون عليها صفة العاهرة؟؟؟؟.

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر