المنتج الزراعي "نفط سورية المتجدد"

المنتج الزراعي "نفط سورية المتجدد"

دمشق - مادلين جليس
السوريون محكومون هذه الأيام بالأزمات المعيشية المتكررة والحصار الاقتصادي، في ظل هذه الويلات الثقيلة التي عاصروها في عقود سابقة، إلا أن الفرق الوحيد أقله حتى اللحظة كان في طريقة تعاطيهم الإيجابي في فترة الثمانينات وتحديداً مع العقوبات الاقتصادية، التي نجحوا في كسر شوكتها وتحويلها إلى نقطة قوة بعد أن كانت ورقة ضاغطة على حياتهم آنذاك، وذلك عبر شد البطون واللجوء إلى خيرات الأرض واستثمار مواردها من خلال سياسة الاعتماد على الذات وتحديداً في القطاعي الزراعي والصناعي، على نحو ضمن تدريجياً تحقيق الاكتفاء الذاتي وإرساء الأمن الغذائي، بشكل حمى ظهر الاقتصاد المحلي وقوّى شوكته بعد أن أصبح قرارنا الاقتصادي بيدنا، واليوم نحيا ببركة هذه السياسة الاستراتيجية، التي يفترض إعادة توجيه البوصلة نحوها وخاصة أن طوق الحصار الاقتصادي يشتد، وهذا لا يتحقق إلا عند منح  الفلاح وأرضه الاهتمام الكامل  والدعم المطلوب، مع الاتجاه  نحو استثمار أفضل لموارد أرضه وتصنيعها زراعياً.

في الاتجاه الصحيح
التصنيع الزراعي بدأ يأخذ طريقه إلى الاستثمار الفعلي بدليل إقامة عديد من المعارض خلال الفترة الأخيرة لترويج وعرض المنتجات المصنعة محلياً وهذا ما أكده طلال قلعجي رئيس لجنة القطاع الغذائي في غرفة صناعة دمشق وريفها، الذي أكد أن التصنيع الزراعي يسير في الاتجاه الصحيح من دون نكران وجود بعض المشاكل التي أشار إلى أنها قد تُحل بمجرد تحسن أوضاع البلاد وخاصة توفر المحروقات، واستقرار سعر الصرف مما سينعكس بزيادة التصنيع والإنتاج بشكل كبير. التصنيع الزراعي يذهب في الاتجاه الصحيح مع ارتفاع صادرات القطاع الغذائي، ولكن رغم ذلك يؤكد قلعجي أنه ليست كل المواد الزراعية تصدر  للخارج فمثلاً   زيت الزيتون يُصنع  ويُعبأ من قبل بعض الشركات الخاصة، وأيضاً بعض المنتجات الزراعية الأخرى تصنّع وتعبّأ وتصدر وتأخذ قيمة مضافة كبيرة، لكن  المنتج الزراعي الوحيد الذي مازال  يعاني من مشكلات صعبة هو  الحمضيات، ويبقى المزارع هو  المتضرر الأكبر مما يحصل،  وأشار قلعجي إلى أن وزارة  الزراعة طرحت معمل العصائر  في اللاذقية وبدأت العمل عليه،  وقد تمت مناقشته منذ أيام في اجتماع مجلس إدارة المؤسسة  العامة للصناعات الغذائية، وفي  حال تنفيذه يستطيع المعمل  تصريف كمية  كبيرة من محصول الحمضيات في الساحل.

نفط سورية الحديث
إنصاف التصنيع الزراعي جاء على لسان رئيس اتحاد المصدرين محمد السواح الذي وصف موارد سورية الزراعية بنفط سورية الجديد بشكل يستوجب استثمارها عبر التصنيع الغذائي وبالتالي تصدير منتجات منافسة، ولتحقيق ذلك دعا السواح إلى تقديم تسهيلات وإجراءات داعمة لتحقيق هذه الغاية، داعياً إلى الاستفادة من التجربة الماليزية بخصوص زيت النخيل، فالماليزيين كانوا يبيعون زيت النخيل خاماً، حينها اتخذوا قراراً أن من يريد أن يأخذ زيت، النخيل خاماً، يدفع ضريبة 20% ومن يريد أن يعلبه داخل ماليزيا يخصم له من سعره 10% ، فبذلك دعم الزيت بـ 10% حينها كل مستوردي الزيت أقاموا مصانع تعبئة وتغليف داخل ماليزيا، وحققوا قيمة مضافة أكيدة.
ولفت السواح إلى أن هذه الطريقة يجب أن تطبّق على جمع المنتجات الزراعية السورية،  وبمعنى آخر أن توضع المواد  المصدرة خاماً في قائمة  وتُدعم في حال قام التاجر بتصنيعها وتعبئتها وتغليفها،  ويكون الدعم مثلا 8 أو 7 بالمئة وفي حال تصديرها تخفف قيمة  الضريبة عليها، أي أن الأمر  يعتمد على الحوافز وتقديم العطايا، والتسهيلات الممنوحة.

  وتحدّ ث السواح عن سلبيات تصدير بعض المواد خاماً ضارباً القطن مثلاً حيث يخسر ما يقارب ثلاثة أضعاف ثمنه، مع خسارة القيمة المضافة منه، كذلك زيت الزيتون، في حال تم تعبئته وتغليفه سيزداد سعره تقريبا50%، وبالمقابل عرض السواح المزايا المتعاظمة في حال استثمار المواد الزراعية وتصنيعها محلياً بقوله: دائماً في المواد الزراعية تكون القيمة المضافة من 50 إلى 200 في المئة، وهنا يضرب السواح مثالاً حول الكمية التي أكد أنها لو منعت من الخروج قبل تصنيعها محلياً كنا حققنا قيمة مضافة منها وبدلاً من التصدير بقيمة 20 مليون دولار على سبيل المثال لكنّا صدرنا بـ 40 مليون.

بين الخام والمصنع
 الخلاف حول وجود منتجات زراعية تصدّر خاماً أو تصنّع جزئياً أو كلياً أشار إليه الباحث الاقتصادي عابد فضلية، بتأكيده أن الصادرات السورية من القطاع الزراعي في معظمها مواد خام أو نصف مصنعة، وحتى من المنتجات الصناعية هي مواد بسيطة، كالمواد الغذائية والكيمائية والنسيجية، لافتاً إلى أن الحكومة والفعاليات الاقتصادية المعنية، كاتحاد غرف الصناعة ووزارة الصناعة تسعى ألا يصدر الإنتاج الزراعي إلا مواداً جاهزة والابتعاد عن تصدير المواد الأولية ونصف المصنعة بل استكمال تصنيعها لتصبح جاهزة وتصدّر، لكن العامل الحاسم برأيه هو المستورد، الذي غالباً ما يرغب بالمادة الخام، لدينا أسواق خارجية لموادنا الأولية لأنها تدخل في صناعات أخرى، كاليانسون والكزبرة.

لاتفريط
استثمار مواردنا الزراعية لم يكن بالمستوى المطلوب حتى الآن وهذا مردّه إلى سحب بساط الدعم من الفلاح وخاصة خلال السنوات الاخيرة واعتبار القطاع الزراعي قطاعاً غير مهم، علماً أن الاقتصاد المحلي اقتصاد زراعي بامتياز، واستثمار موارده سواء كانت ذات ميزة نسبية أو مطلقة ضرورة ملحّة وهو ما تحدث عنه خبير اقتصادي للمشهد بتأكيده على عدم جواز التفريط بمنتج محلي سواء كان ذو خصوصية نسبية أو مطلقة أو بلا خصوصية، أو حتى إذا كان مادة خام، لكن ذلك يستوجب دراسة دقيقة لواقع كل منتج ومواصفاته والشروط المطلوبة لتصنيعه وتكلفته، فحسب رأيه إذا كنا نفاخر بصادراتنا من النسيج فعلينا أن نسأل كم كلفنا موسم القطن من المياه، وعندما نفاخر أننا صنعنا السكر من الشوندر السكري فعلينا أن نسأل كم نسبة الحلاوة في الأصناف التي تتناسب مع البيئة وكم هو مستهلك شره للمياه، وعندما نفاخر بتصدير كميات من البندورة، علينا ألا نتفاجأ بأننا صدرنا الماء ونحن في بلد يتحول نسبيا إلى بلد شبه جاف من حيث المناخ.
يتفق معه الباحث الاقتصادي عابد فضيلة بطريقة ما حينما يشير إلى وجود علاقة تكامل بين مخرجات القطاع الزراعي التي تعد مدخلات للقطاع الصناعي، ومخرجات القطاع الصناعي أدوات إنتاج ومدخلات للقطاع الزراعي، وهنا يورد فضلية إنتاج القمح مثالًا حيث يصنع منه عشرات الأنواع والأصناف من السلع وبنفس الوقت القطاع الصناعي التحويلي يصنع أدوات تستخدم في القطاع الزراعي كأدوات الإنتاج والمبيدات
والأسمدة.

من حصد الدسم كاملاً؟
الجوهر بين الاهتمام بكفاية  حاجة السوق المحلية من التصنيع الزراعي وتصدير منتجات ذات مزايا تصديرية منافسة هو تحقيق القيمة المضافة التي يجب أن تلتفت لها الحكومات ومتخذي القرار الاقتصادي، حسب ما أشار إليه الباحث الاقتصادي الذي أكد أنه عند الاقتناع بالقدر الذي نصنع به منتجنا الزراعي الخام نكون قد أوفينا استحقاقاتنا التنموية حقها، عبر عدم هدر المنتج الزراعي وتصديره خاماً، ويكون أثقل الرابحين هو المنتج الثاني عندما نصدر خام نكون قد فوتنا فرص صناعية تنموية واستثمار خصوصية اقتصادنا الزراعي الذي يحظى بميزات كثيرة متنوعة ومتعددة وعلينا هنا ألا نغفل العامل الاجتماعي للتصنيع كتأمين فرص عمل مباشرة في السوق وأخرى غير مباشرة تضاف على القيمة المضافة التي حققناها عبر التصنيع لتكون صادراتنا عبارة عن صناعات وليس مواد خام، فمثلُا على سبيل المثال، ما الذي يمنع من تعبئة وتنكيه زيت الزيتون السوري المتميز بمذاقه وجودته المشهود بها عالمياً، خاصة أن صادراتنا من الزيت الخام كبيرة وكبيرة جداً وكان الإنتاج عام 2017 غزيراً ووفيراً؟ يثير الكثير من الأسئلة عن مصيره وأين بات هذا الإنتاج؟ من صدَّرهُ ومن استفاد منه ومن حصد الدسم كاملًا؟

طبعاً المنتِج ليس في سياق هذه القائمة على الإطلاق. أهمية تصنيع المواد الأولية ونصف المصنعة يحقق تشغيلًا للعمالة وتحقيقَ قيمة مضافة، يشدد فضلية على أن الأرباح والأجور التي تجنى من التصنيع تنعكس إيجاباً على المجتمع السوري، إضافة إلى أنها تحقق قيمة مضافة للاقتصاد السوري من خلال توفير القطع الأجنبي، وتزيد من قيمة الصادرات،

 وهو ما أشار إليه عبد الرحمن قرنفلة المستشار الفني في اتحاد غرف الزراعة الذي أكد أنها تزيد القيمة المضافة للإنتاج الزراعي الأولي وتخلق فرص عمل محلية في مجالات الإنتاج الزراعي والتصنيع والنقل وكافة حلقات السلاسل الزراعية والتصنيعية والتسويقية، والجدير ذكره أن منتجات الصناعات الزراعية السورية انتشرت بأكثر من 195 دولة بالعالم وتلاقي رواجاً واقبالًا شديدين علماً أن سورية سباقة تاريخياً في هذا المجال.

 ما نحتاجه الآن؟
النهوض بواقع التصنيع الزراعي وإيجاد استثمارات مجدية في القطاع الزراعي الذي يعد قطاعاً فقيراً في المجال الاستثماري لضعف الترويج وضعف المزايا والتسهيلات رغم إمكاناته الهائلة، لذلك المطلوب وضع خطة استراتيجية تعيد للزراعة مكانتها وتجعلها بوصلة الاقتصاد المحلي الأساسية، وهنا يشير هيثم حيدر مدير التخطيط في وزارة الزراعة أن ما نحتاجه حقاً هو إيجاد صيغة للتكامل ما بين الإنتاج الزراعي والتصنيع الزراعي لزيادة القيمة المضافة للمنتج وضمان تصريف الإنتاج، وخاصة أنه نتيجة الحرب على سورية تضرر كلا القطاعين، وتم إغلاق وإيقاف عدد من نوافذ تصريف وتصدير الإنتاج ما زاد في المشكلة وأصبح من الضروري الاعتماد على التصنيع الزراعي لتصريف الإنتاج.

ولكن من المفترض بحسب رأي حيدر ألا يتولد أي مشكلة بإغلاق المنافذ التصديرية، أي أن يكون لدينا مصانع تعوّض ما خسرناه وما لم نستطع تصريفه تصديراً. بدوره الباحث الاقتصادي عابد فضلية أكد وجوب تطوير طرق وأساليب الإنتاج واتجاه الجهات المعنية للتركيز على النوعية والجودة وتحقيق مواصفات محلية وخارجية منافسة، وهذا ماكنا نلمسه شيئاً فشيئاً قبل الحرب، حين بدأت نسبة الصادرات من المواد المصنعة الجاهزة تزداد خلال الأعوام 2008 و 2009 و 2010 عن السنوات التي سبقتها ما يعني أننا كنا في الطريق الصحيح حينها، لكن الأزمة استطاعت أن توقف هذا التقدم ، لكن على المدى المتوسط والبعيد يفترض العمل على استرجاع ما حققناه سابقاً وهذا يعد هدفاً حكومياً وخاصاً على حد سواء، لزيادة القيمة المضافة.

 الخبير الزراعي قرنفلة كان له رأي خاصاً باعتباره يعرف خبايا ومشاكل القطاع الزراعي وعلى تماس مباشر مع واقع سوقِه حيث يقدم مقترحاته للنهوض بالتصنيع الزراعي الذي يحتاج برأيه إلى خطط واستراتيجيات لربط خطط الإنتاج الزراعي بخطط التصنيع، مع تشجيع القطاع الخاص لإقامة منشآت لتصنيع الإنتاج الزراعي، ومنح تسهيلات في هذا الإطار، كذلك يجب إعادة النظر بتوزيع مصانع الإنتاج الزراعي بحيث تتركز قرب حقول الإنتاج لخفض تكاليفه،مشددًا على ضرورة تهيئة بنية متكاملة في مرافئ التصدير تساهم في شحن صادرات الصناعات الغذائية السورية، مع تنفيذ حملات ترويج خارجية من قبل اتحاد المصدرين، عبر المعارض الدولية والسفارات السورية بالخارج والدعايات والاعلانات بكافة وسائل الاعلام.

خطأ استراتيجي كبير
غنى سورية بالموارد الزراعية جعل دولًا كثيرة تطلب مواداً أولية لصناعتها حيث أشار فضلية إلى توافر أسواق في الوقت الحالي تطلب مواد أولية سورية، ليعود ويؤكد على ضرورية تطوير المنتج المحلي وإنتاج سلع جاهزة تتمتّع بنوعية ممتازة لتكون مرغوبة في الأسواق الخارجية، وخاصة أن المنتجات المصنعة السورية بنوعية غير منافسة في الخارج، والمنافس هو المادة الأولية ورغم وجود أسواق تطلب المواد الأولية السورية إلا أن تصدير المنتج خاماً يعتبره الباحث الاقتصادي خطأً استراتيجياً كبيراً، حيث يعني ذلك بلغة الأرقام مباشرة حجب عائدات وميزات وفرص حقيقية عن الاقتصاد الوطني بشكل عام، وهنا يشدد على أهمية التركيز على نقطتين تتمثلان بالاهتمام أولاً بالمنتج المحلي وتحقيق كفاية السوق المحلية منه حتى ولو كان ذلك مكلفاً، وهذا يقودنا برأيه إلى النقطة الثانية وهي ضرورة مجاراة الإنتاج المحلي في التصنيع الزراعي ليس من هذه المواد الشرهة للمياه التي اتخذناها كمثال وإنما أيضا سلسلة طويلة من المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني.

 

شارك برأيك .. لتكتمل الصورة


استطلاعات الرأي

يجب ان تختار خيار قبل ارسال التصويت
هل تعتقد أن الوقت قد حان لبدء تطبيق الدفع الإلكتروني في سوريا؟
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني
النتائج
نعم، حان الوقت لبدء تطبيقه وفرضه فوراً وهو ضروري للاقتصاد
لا، يجب إعداد بنية تحتية تقنية ومن ثم البدء بفرضه
لا، غير جاهزين بالوضع الراهن نهائياً لتطبيق الدفع الإلكتروني

الأكثر مشاهدة هذا الشهر